الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ولكنهم لا يكفون أبدًا عن تشويه الإسلام وأهله.. لأن حقدهم على الإسلام، وعلى كل شبح من بعيد لأي بعث إسلامي، أضخم من أن يداروه..ولو للخداع والتمويه!إنها جبلة واحدة، وخطة واحدة، وغاية واحدة.. هي التي من أجلها يجبههم الله باللعنة والطرد، وفقدان النصير. والذي يفقد نصرة الله فما له من ناصر وما له من معين ولو كان أهل الأرض كلهم له ناصر وكلهم له معين: {أؤلئك الذين لعنهم الله. ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرًا}..ولقد يهولنا اليوم أن نجد دول الغرب كلها نصيرًا لليهود. فنسأل: وأين وعد الله بأنه لعنهم، وأن من يلعن الله فلن تجد له نصيرًا؟ولكن الناصر الحقيقي ليس هو الناس. ليس هو الدول. ولو كانت تملك القنابل الأيدروجينية والصواريخ. إنما الناصر الحق هو الله. القاهر فوق عباده: ومن هؤلاء العباد من يملكون القنابل الأيدروجينية والصواريخ!والله ناصر من ينصره.. {ولينصرن الله من ينصره} والله معين من يؤمن به حق الإيمان، ويتبع منهجه حق الاتباع؛ ويتحاكم إلى منهجه في رضى وفي تسليم..ولقد كان الله سبحانه يخاطب بهذا الكلام أمة مؤمنة به، متبعة لمنهجه، محتكمة إلى شريعته. وكان يهوّن من شأن عدوها- اليهود- وناصريهم. وكان يعد المسلمين النصر عليهم لأنهم- اليهود- لا نصير لهم. وقد حقق الله لهم وعده. وعده الذي لا يناله إلا المؤمنون حقًا. والذي لا يتحقق إلا على أيدي العصبة المؤمنة حين تقوم.فلا يهولننا ما نلقاه من نصرة الملحدين والمشركين والصليبيين لليهود. فهم في كل زمان ينصرونهم على الإسلام والمسلمين.. فليست هذه هي النصرة.. ولكن كذلك لا يخدعننا هذا. فإنما يتحقق هذا الأمر للمسلمين! ويوم يكونون مسلمين!وليحاول المسلمون أن يجربوا- مرة واحدة- أن يكونوا مسلمين. ثم يروا بأعينهم إن كان يبقى لليهود نصير. أو أن ينفعهم هذا النصير!وبعد التعجيب من أمرهم وموقفهم وقولهم؛ وإعلان اللعنة عليهم والخذلان.. يأخذ في استنكار موقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ وغيظهم من أن يمن الله عليهم هذه المنة.. منة الدين والنصر والتمكين. وحسدهم لهم على ما أعطاعهم الله من فضله. وهم لم يعطوهم من عندهم شيئًا! ويكشف في الوقت ذاته عن كزازة طبيعتهم؛ واستكثار أي عطاء يناله غيرهم؛ مع أن الله قد أفاض عليهم وعلى آبائهم، فلم يعلمهم هذا الفيض السماحة؛ ولم يمنعهم من الحسد والكنود: {أم لهم نصيب من الملك فإذًا لا يؤتون الناس نقيرًا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا}..يا عجبًا! إنهم لا يطيقون أن ينعم الله على عبد من عباده بشيء من عنده.. فهل هم شركاؤه- سبحانه!- هل لهم نصيب في ملكه، الذي يمنح منه ويفيض؟ ولو كان لهم نصيب لضنوا- بكزازتهم وشحهم- أن يعطوا الناس نقيرًا.والنقير النقرة تكون في ظهر النواة- وهذه لا تسمح كزازة يهود وأثرتها البغيضة أن تعطيها للناس، لو كان لها في الملك نصيب! والحمد لله أن ليس لها في الملك نصيب.. وإلا لهلك الناس جميعًا وهم لا يعطون حتى النقير!!!أم لعله الحسد.. حسد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، على ما آتاهم الله من فضله.. من هذا الدين الذي أنشأهم نشأة أخرى ووهب لهم ميلادًا جديدًا، وجعل لهم وجودًا إنسانيا متميزًا؛ ووهبهم النور والثقة والطمأنينة واليقين؛ كما وهبهم النظافة والطهر، مع العز والتمكين؟وإنه فعلًا للحسد من يهود. مع تفويت أطماعها في السيادة الأدبية والاقتصادية على العرب الجاهلين المتفرقين المتخاصمين.. يوم أن لم يكن لهم دين..ولكن لماذا يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله من النبوة والتمكين في الأرض؟ وهم غارقون في فضل الله من عهد إبراهيم.. الذي آتاه الله وآله الكتاب والحكمة- وهي النبوة- وآتاهم الملك كذلك والسيادة. وهم لم يرعوا الفضل ولم يحتفظوا بالنعمة، ولم يصونوا العهد القديم، بل كان منهم فريق من غير المؤمنين. ومن يؤت هذا الفضل كله لا يليق أن يكون منهم جاحدون كافرون!{فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا. فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه}.إنه لمن أَلأم الحسد: أن يحسد ذو النعمة الموهوب! لقد يحسد المحروم ويكون الحسد منه رذيلة! أما أن يحسد الواجد المغمور بالنعمة، فهذا هو الشر الأصيل العميق! شر يهود! المتميز الفريد!ومن ثم يكون التهديد بالسعير، هو الجزاء المقابل لهذا الشر النكير: {وكفى بجهنم سعيرًا}..وعندما يبلغ السياق هذا المقطع من ذكر الإيمان والصدود عن الإيمان في آل إبراهيم، يعقب بالقاعدة الشاملة للجزاء. جزاء المكذبين، وجزاء المؤمنين.. هؤلاء وهؤلاء أجمعين.. في كل دين وفي كل حين؛ ويعرض هذا الجزاء في صورة مشهد من مشاهد القيامة العنيفة الرعيبة: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب. إن الله كان عزيزًا حكيمًا. والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلًا ظليلًا}.{كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب}.إنه مشهد لا يكاد ينتهي. مشهد شاخص متكرر. يشخص له الخيال، ولا ينصرف عنه! إنه الهول. وللهول جاذبية آسرة قاهرة! والسياق يرسم ذلك المشهد ويكرره بلفظ واحد.. {كلما}.. ويرسمه كذلك عنيفًا مفزعًا بشطر جملة.. {كلما نضجت جلودهم}.. ويرسمه عجيبًا خارقًا للمألوف بتكملة الجملة.. {بدلناهم جلودًا غيرها}.. ويجمل الهول الرهيب المفزع العنيف كله في جملة شرطية واحدة لا تزيد! ذلك جزاء الكفر- وقد تهيأت أسباب الإيمان- وهو مقصود.وهو جزاء وفاق: {ليذوقوا العذاب}.ذلك، أن الله قادر على الجزاء. حكيم في توقيعه: {إن الله كان عزيزًا حكيمًا}..وفي مقابل هذا السعير المتأجج. وفي مقابل الجلود الناضجة المشوية المعذبة.. كلما نضجت بدلت. ليعود الاحتراق من جديد. ويعود الألم من جديد. في مقابل هذا المشهد المكروب الملهوف.. نجد {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} في جنات ندية: {تجري من تحتها الأنهار}:ونجد في المشهد ثباتًا وخلودًا مطمئنًا أكيدًا: {خالدين فيها أبدًا}.ونجد في الجنات والخلد الدائم أزواجًا مطهرة: {لهم فيها أزواج مطهرة}..ونجد روح الظلال الندية؛ يرف على مشهد النعيم: {وندخلهم ظلًا ظليلًا}..تقابل كامل في الجزاء. وفي المشاهد. وفي الصور. وفي الإيقاع.. على طريقة القرآن في مشاهد القيامة ذات الإيحاء القوي النافذ العميق. اهـ.
|